كانت إيطاليا آخر الدول الأوروبية التي دخلت مجال التوسع الاستعماري. وكانت ليبيا عند نهاية القرن التاسع عشر، هي الجزء الوحيد من الوطن العربي في شمال أفريقيا الذي لم يتمكن الصليبيون الجدد من الاستيلاء عليه، ولقرب ليبيا من إيطاليا جعلها هدفا رئيسا من أهداف السياسة الاستعمارية الإيطالية.
بدات إيطاليا العزم على احتلال ليبيا فقامت بفتح المدارس في كل من بنغازي وطرابلس لتعلم اللغة الإيطالية وارسلت الارساليات التبشيريه للدين المسيحي افتتحت فروعا لبنك روما وأصبحت القنصليه في مدينتى بنغازى وطرابلس مركزا للنشاط السياسى والدعاية الإيطاليه والتجسس على اهل البلاد، ولم يصعب على إيطاليا اختلاق الذرائع الواهية لاحتلال ليبيا.
في 27 سبتمبر 1911 م وجهت إيطاليا إنذاراً إلى الدولة العثمانية تأخذ عليها فيه انها أهملت شان ليبيا واتهمتها بانها تحرض الليبيين على الرعايا الإيطاليين وتضطهدهم.
وفى يوم 28 سبتمبر 1911 اقبل الموعد المحدد لانتهاء اجل الإنذار كانت السفن الحربية الإيطاليه في مياه طرابلس. واعلنت الحرب على تركيا في 29 سبتمبر سنة 1911 م، وبدأت الحرب العثمانية الإيطالية واستطاعت الاستيلاء على طرابلس في 3 أكتوبر من السنة نفسها.
وكانت القوات الإيطاليه مؤلفة من 39 الف جندي و6 آلاف حصان وألف سياره ونحو خمسين مدفع ميدان بدأ قصف مدينة طرابلس في الساعة الثالثة والنصف مساء يوم 3 أكتوبر 1911 وأنزلت قوة من البحر عددها يقدر بنحو ألفين جندي وتم احتلال مدينة طرابلس.
ومن هنا بدأ المجاهدون حركتهم يحدوهم الايمان بالحق والدفاع عن العرض والأرض وكان عدد المتطوعين نحو 15000 ليبي وتحرك نواب البلاد وزعمائها في ضواحى مدينة طرابلس نحو معسكرات الجهاد ومنهم الشيخ سليمان الباروني نائب الجبل الغربي والشيخ أحمد سيف النصر من زعماء الجنوب والوسط. والسيد احمد الشريف السنوسي في الشرق. وبرزت شخصية شيخ الشهداء عمر المختار في برقة ورفاقه المجاهدين منهم الشهيد عبد القادر يوسف بورحيل المسماري والشهيد الفضيل بوعمر بوحوة الاوجلى.
قاومت القوات الليبية والعثمانية الإيطاليين لفترة قصيرة، ولكن تركيا تنازلت عن ليبيا لإيطاليا بمقتضى المعاهدة التي أبرمت بين الدولتين في 18 أكتوبر 1912م معاهدة أوشي، وأدرك الليبيون الآن أن عليهم أن ينظموا صفوفهم ويتولوا بأنفسهم أمر المقاومة والجهاد ضد المستعمر، وقد اشتدت مقاومة الليبيين للقوات الإيطالية مما حال دون تجاوز سيطرة الإيطاليين المدن الساحلية، ولما دخلت إيطاليا الحرب العالمية الأولى 1915 م حاولت تركيا استغلال الحركة السنوسية التي كانت بقيادة احمد الشريف السنوسى فمارست تركيا عليه بعض الضغوط لما عرف عليه حبه للمسلمين واحترامه لدولة الخلافه فدخلت قوات الحركه في قتال مع القوات الانجليزيه التي كانت في مصر فابتليت قوات الحركة بخسائر كبيره، وبعد هزيمة قواته تنازل عن الزعامة لإدريس السنوسي وقاد الجهاد نيابة عنه في المنطقة الشرقية في الجبل الأخضر المجاهد عمر المختار. وفي المنطقة الغربية قاد الجهاد سليمان باشا الباروني ومجموعم من المجاهدين في منطقة طرابلس منهم السويحلي والمريض وسوف المحمودي واعلان الجمهورية الطرابلسية ثم حكومة الإصلاح.
الامبراطورية الايطالية 1940
ما أن شرعت إيطاليا في غزو ليبيا حتى باشرت بإصدار القرارات والقوانين المتعلّقة بهذا الاستيلاء منها :الأوامر العسكريّة بتاريخ 24 يوليو 1912 و27 أبريل 1912 و16 فبراير 1913 بتصفية أصول المصرف العثماني الزراعي في طرابلس الغرب وبرقة وتحويلها إلى بنك إيطاليا وبنك سيشيليا ثمّ لصناديق الإدّخار التي أُنشئت لتمويل المستعمرين الأوائل. وفي بداية عهد الجنرال فولبي 1922 تضخّمت الأراضي المصادرة، بموجب عمليّة شراء شكليّة وقسريّة لجزء منها. امّا الغالبيّة منها فكانت تّنزع ملكيّتها ويُجبر المالك الليبي على التنازل بالأمر العسكري "تنفيذا لنظريّة أملاك المتمرّدين وأقربائهم الذين رفعوا السلاح في وجه الجيش أو عرقلوا عمليّاته في حركة الاحتلال" كما أثبت بادوليو حاكم عام ليبيا في تقريره.
وما أن جاء عهد بالبو عام 1933 والذي بدأ فيه جلب المستوطنين ضمن برنامج التوطين لمليون مستعمر، حتى بلغت مساحة الأراضي المغتصبة أكثر من نصف مليون هكتارا، إزدادت حتى بلغت 1938 ما مساحته 738,316 هكتارا في جميع أنحاء ليبيا، ومن ثمّ وصل عدد هؤلاء الوافدين حتى عام 1940 تاريخ بدأ اندحار إيطاليا في الحرب، إلى 108,405 (معمّرا). بينما لم يتجاوز عدد السكّان الليبيين– بما فيهم الرّعاة- 800,223 نسمة، حسب، إحصاء الكتاب السنوي (للمعهد الفاشيستي لإيطاليا الأفريقيّة) للعام 1940.
بعد إعدام عمر المختار، اختط الطليان سياسة جديدة من المصالحة، أشرف على تنفيذها حاكم ليبيا الجديد الجنرال الطيار إتالو بالبو (1896-1940)، الذي رغم ماضيه الإرهابي، ورغم استمرار مناخ الخوف، عمل على إشراك الليبيين في إدارة البلاد. وكان بالبو كثير التنقل في البلاد، مبديا اهتمامه بالمشاكل المحلية، وحرصه على كسب ود الليبيين، والاتصال بأعيان المناطق وشيوخ الدين الذين تم تنظيم أول مؤتمر لهم في بنغازي في يوليو 1935.
كما نفذ مشاريع واسعة في الدواخل من رصف للطرق ونظافة الشوارع وتوصيل الكهرباء، وتنظيم ورقابة الأسواق، فضلا عن افتتاح المدارس. كما أعاد بناء ضريح الصحابي رافع الأنصاري في مدينة البيضاء، وأصلح زاويتي الكفرة والجغبوب.
وهكذا ساهم بالبو في تحقيق ارتخاء نسبي في قبضة ذلك الحكم الغاشم، وأضاف جرعة إنسانية لسياسة إيطاليا في ليبيا. وكانت مبادراته عاملا في تخفيف السياسة العنصرية التي انتهجها الفاشيون. وقادت بشكل غير مباشر إلى فتح المجال لنخبة صغيرة من المتعلمين للمشاركة في إدارة بلادهم